التيار الليبرالى المدافع عن الدولة المدنية يدفع ثمن عدم دفاعه عن الدستور أولاً. تيار الإسلام السياسى كان يكسب أرضاً جديدة كل يوم برضا وموافقة المجلس العسكرى، الذى كان يعمل حساباً فقط لمليونيات الإخوان والسلفيين، بينما كان التيار الليبرالى يخسر ويصمت، قالوا الدستور أولاً، فرفض الإخوان والسلفيون، فاستجاب المجلس العسكرى لهم، وكانت الانتخابات أولاً رغم المتاهة التى سندخل فيها بعد الانتخابات بين طرف يريد تشكيل الحكومة، رغماً عن أنف الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى نفسه، الذى يؤكد أن رئيس الجمهورية هو الذى يشكل الحكومة. هذه الدوامة كان حلها فى منتهى البساطة وهو أن يكون هناك دستور مسبق يحدد خارطة الطريق، ولتأت الانتخابات بأى تيار لا يهم مادامت الخارطة والبوصلة موجودة، ولكن المجلس لا يستمع إلا إلى مليونيات الإخوان!

التيار الليبرالى يدفع ثمن تضحيته بـ«السلمى» ووثيقته التى ظل «السلمى» يتنازل عن أجزائها جزءاً تلو الآخر، حتى صارت مهلهلة لا تستحق عناء القراءة، وشطبت كلمة «مدنية» استجابة لتهديدات الإسلام السياسى، وصمت الليبراليون على هذا الاغتيال الصريح لفكرة مدنية الدولة، ومن قبلهم صمت المجلس ولم يدافع عن «السلمى» ورضى بدور المتفرج، وماتت وثيقة «السلمى» واغتيل الرجل معنوياً، كما اغتالوا من قبله يحيى الجمل بتهمة التكفير.

وصلنى من د . يحيى طراف، أستاذ جراحة عظام الأطفال، رسالة تؤكد هذا المعنى يقول فيها: «جاء بأهرام ١/١٢ أن الدكتور محمد مرسى، رئيس حزب الحرية والعدالة، أكد أن الأغلبية فى البرلمان المقبل هى التى ستشكل الحكومة، وهو ما يتناقض صراحة مع الإعلان الدستورى الصادر فى ٣٠ مارس، الذى قبلت جميع القوى السياسية خوض انتخابات مجلس الشعب على نهجه، الذى أبقى على النظام الرئاسى المشتق من دستور ٧١، ومنح سلطات رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى المادة ٥٦ منه، ومنها (تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم، وإعفاؤهم من مناصبهم).

وعلى الوتيرة نفسها أكد طارق الزمر، المتحدث الرسمى باسم الجماعة الإسلامية، أن معركة البرلمان المقبل ستكون معركة انتزاع الصلاحيات ليصبح مثل سائر برلمانات العالم وليس ديكوراً، والرأى عندى أن الذين يريدون انتزاع صلاحيات للبرلمان المقبل تناقض ما جاء فى إعلان مارس الذى ارتضوا خوض الانتخابات فى ظله، قد جاوزوا حدودهم، وإن بدا مطلبهم مشروعا. هذا الطريق الذى ينشدون كانت خارطته لتبدأ بصياغة الدستور أولاً فيتحدد فيه شكل نظام الحكم فى الجمهورية المقبلة، وهل يكون نظاماً رئاسياً كما كان قبلاً يعين فيه الرئيس المنتخب الحكومة ويعفيها، أو يكون برلمانياً تتولى فيه الأغلبية البرلمانية المنتخبة تشكيل الحكومة، ثم تجرى بعد ذلك الانتخابات التشريعية على بينة منه.

إلا أن دعوة الدستور أولاً سقطت فى استفتاء ١٩ مارس، وعليه أصدر المجلس العسكرى إعلانه الدستورى الذى ينظم الحياة السياسية فى الفترة الانتقالية وجرت الانتخابات الحالية فى كنفه . والطريف أن الذين رفضوا مبدأ الدستور أولاً هم الذين يطالبون اليوم بدور للبرلمان فى المرحلة الانتقالية لم ينص عليه الإعلان الدستورى بل ويخالف ما جاء فيه، وكان السبيل الوحيد لتفعيل هذا الدور الذى يبغون هو النص عليه فى دستور تجرى صياغته قبل الانتخابات، وهو ما رفضوه!».